.قال الماوردي:
قوله تعالى:
{والشّمْسِ وضحاها} هذان قسمان:قَسَمٌ بالشمس، وقَسَم بضحاها، وفي ضحاها أربعة أوجه:أحدها: هو إشراقها، قاله مجاهد.الثاني: هو إنبساطها، قاله اليزيدي.الثالث: حرها، قاله السدي.الرابع: هذا النهار، قاله قتادة.ويحتمل خامساً: أنه ما ظهر بها من كل مخلوق، فيكون القسم بها وبالمخلوقات كلها.
{والقَمَرِ إذا تلاها} ففيه وجهان:أحدهما: إذا ساواها، قاله مجاهد.الثاني: إذا تبعها، قاله ابن عباس.وفي اتباعه لها ثلاثة أوجه:أحدها: أول ليلة من الشهر إذا سقطت الشمس يرى القمر عند سقوطها، قاله قتادة.الثاني: الخامس عشر من الشهر يطلع القمر مع غروب الشمس، قاله الطبري.الثالث: في الشهر كله فهو في النصف الأول يتلوها، وتكون أمامه وهو وراءها، وإذا كان في النصف الأخير كان هو أمامها وهي وراءه، قاله ابن زيد.ويحتمل رابعاً: أنه خلفها في الليل، فكان له مثل ما لها في النهار لأن تأثير كل واحد منهما في زمانه، فللشمس النهار. وللقمر الليل.
{والنّهارِ إذا جلاها} فيه وجهان:أحدهما: أضاءها، يعني الشمس لأن ضوءها بالنهار يجلي ظلمة الليل، قاله مجاهد.الثاني: أظهرها، لأن ظهور الشمس بالنهار، ومنه قول قيس بن الخطيم:
تجلب لنا كالشمس بين غمامةٍ ** بدا حاجبٌ منها وضنّتْ بحاجبويحتمل ثالثاً: أن النهار جلّى ما في الأرض من حيوانها حتى ظهر لاستتاره ليلاً وانتشاره نهاراً.
{والليل إذا يغشاها} فيه وجهان:أحدهما: أظلمها، يعني الشمس، وهو مقتضى قول مجاهد.الثاني: يسترها، ومنه قول الخنساء:
أرْعَى النجومَ وما كُلِّفْتُ رِعْيَتَها ** وتارةً أتغشى فَضْلَ أطْماري{والسّماءِ وما بناها} فيه وجهان:أحدهما: والسماء وبنائها، قاله قتادة.الثاني: معناه ومن بناها وهو الله تعالى، قاله مجاهد والحسن.ويحتمل ثالثاً: والسماء وما في بنائها، يعني من الملائكة والنجوم، فيكون هذا قسَماً بما في السماءِ، ويكون ما تقدمه قسَماً بما في الأرض.
{والأرْضِ وما طحاها} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: معناه بَسطها، قاله سفيان وأبو صالح.الثاني: معناه قسَمها، قاله ابن عباس.الثالث: يعني ما خلق فيها، قاله عطية العوفي، ويكون طحاها بمعنى خلقها، قال الشاعر:
وما تَدري جذيمةُ مَنْ طحاها ** ولا من ساكنُ العَرْشِ الرّفيعويحتمل رابعاً: أنه ما خرج منها من نبات وعيون وكنوز، لأنه حياة لما خلق عليها.
{ونَفْسٍ وما سواها} في النفس قولان:أحدهما: آدم، ومن سواها: الله تعالى، قاله الحسن.الثاني: أنها كل نفس.وفي معنى
{سواها} على هذا القول وجهان:أحدهما: سوى بينهم في الصحة، وسوى بينهم في العذاب جميعاً، قاله ابن جريج.الثاني: سوى خلقها وعدل خلقها، قاله مجاهد.ويحتمل ثالثاً:
{سواها} بالعقل الذي فضّلها به على جميع الحيوانات.
{فأَلْهَمَهَا فجُورَها وتقواها} في (ألهمها) تأويلان:أحدهما: أعلمها، قاله مجاهد.الثاني: ألزمها، قاله ابن جبير.وفي
{فجورها وتقواها} ثلاثة تأويلات:أحدها: الشقاء والسعادة، قاله مجاهد.الثاني: الشر والخير، قاله ابن عباس.الثالث: الطاعة والمعصية، قاله الضحاك.ويحتمل رابعاً: الرهبة والرغبة لأنهما داعيا الفجور والتقوى.وروى جوبير عن الضحاك عن ابن عباس أن النبي عليه السلام كان إذا قرأ هذه الآية
{فألهمها فجورها وتقواها} رفع صوته:
«اللهم آتِ نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، وأنت خير من زكاها».
{قد أفْلَحَ مَن زكاها} على هذا وقع القسم، قال ابن عباس: فيها أحد عشر قسماً.وفيه وجهان:أحدهما: قد افلح من زكى الله نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال.الثاني: قد أفلح من زكى نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال.وفي
{زكاها} وجهان:أحدهما: طهّرها، وهو قول مجاهد.الثاني: أصلحها، وهو قول سعيد بن جبير.
{وقد خابَ من دساها} فيه وجهان:أحدهما: على ما قضى وقد خاب من دسّى الله نفسه.الثاني: من دسّى نفسه.وفي
{دساها} سبعة تأويلات:أحدها: أغواها وأضلها، قاله مجاهد وسعيد بن جبير، لأنه دسّى نفسه في المعاصي، ومنه قول الشاعر:
وأنت الذي دَسْيت عَمْراً فأصْبَحَتْ ** حلائلهم فيهم أراملَ ضُيّعاًالثاني: إثمنها وفجورها، قاله قتادة.الثالث: خسرها، قاله عكرمة.الرابع: كذبها، قاله ابن عباس.الخامس: أشقاها، قاله ابن سلام.السادس: جنبها في الخير، وهذا قول الضحاك.السابع: أخفاها وأخملها بالبخل، حكاه ابن عيسى.
{كذّبَتْ ثمودُ بطغواها} فيه ثلاثة تأويلات:أحدها: بطغيانها ومعصيتها، قاله مجاهد وقتادة.الثاني: بأجمعها، قاله محمد بن كعب.الثالث: بعذابها، قاله ابن عباس.قالوا كان اسم العذاب الذي جاءها الطّغوى.
{فدمْدم عليهم ربهم بذَنْبِهم} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: معناه فغضب عليهم.الثاني: معناه فأطبق عليهم.الثالث: معناه فدمّر عليهم، وهو مثل دمدم، كلمة بالحبشية نطقت بها العرب.
{فسواها} فيه وجهان:أحدهما: فسوى بينهم في الهلاك، قاله السدي ويحيى بن سلام.الثاني: فسوّى بهم الأرض، ذكره ابن شجرة.ويحتمل ثالثاً: فسوّى مَن بعدهم مِنَ الأمم.
{ولا يخافُ عقباها} فيه وجهان:أحدهما: ولا يخاف الله عقبى ما صنع بهم من الهلاك، قاله ابن عباس.الثاني: لا يخاف الذي عقرها عقبى ما صنع من عقرها، قاله الحسن.ويحتمل ثالثاً: ولا يخاف صالح عقبى عقرها، لأنه قد أنذرهم ونجاه الله تعالى حين أهلكهم. اهـ.
.قال ابن الجوزي:
{وَالشَّمْسِ وضحاها (1)}قوله تعالى:
{والشمس وضحاها} في المراد بـ:
{ضحاها} ثلاثة أقوال.أحدها: ضوؤها، قاله مجاهد، والزجاج.والضحى: حين يصفو ضَوْءُ الشمس بعد طلوعها.والثاني: النهار كلُّه، قاله قتادة، وابن قتيبة.والثالث: حَرُّها، قاله السدي، ومقاتل:
{والقمر إذا تلاها} فيه قولان.أحدهما: إذا تَبِعهَا، قاله ابن عباس في آخرين.ثم في وقت اتباعه لها ثلاثة أقوال.أحدهما: أنه في أول ليلة من الشهر يرى القمر إذا سقطت الشمس، قاله قتادة.والثاني: أنه في الخامس عشر يطلع القمر مع غروب الشمس، حكاه الماوردي.والثالث: أنه في النصف الأول من الشهر إذا غربت
{تلاها} القمر في الإضاءة، وخَلَفها في النور، حكاه على بن أحمد النيسابوري.والقول الثاني: إذا ساواها، قاله مجاهد.وقال غيره: إذا استدار، فتلا الشمس في الضياء والنور، وذلك في الليالي البيض.قوله تعالى:
{والنهار إذا جلاها} في المكنى عنها قولان.أحدهما: أنها الشمس، قاله مجاهد، فيكون المعنى: والنهار إذا بَيَّن الشمس، لأنها تتبيَّن إذا انبسط النهار.والثاني: أنها الظلمة، فيكون كناية عن غير مذكور، لأن المعنى معروف، كما تقول: أصبحت باردة، وهبت شمالاً، وهذا قول الفراء، واللغويين.
{والليل إذا يغشاها} أي: يغشى الشمس حين تغيب فتظلم الآفاق.قوله تعالى:
{والسماء وما بناها} في (ما) قولان.أحدهما: بمعنى (من) تقديره (ومن بناها) قاله الحسن، ومجاهد، وأبو عبيدة، وبعضهم يجعلها بمعنى الذي.والثاني: أنها بمعنى المصدر، تقديره: وبنائها، وهذا مذهب قتادة، والزجاج.وكذلك القول في
{وما طحاها} {وما سواها} وقد قرأ أبو عمران الجوني في آخرين
{ومن بناها} {ومن طحاها} {ومن سواها} كله بالنون.قال أبو عبيدة: ومعنى
{طحاها}: بسطها يميناً وشمالاً، ومن كل جانب.قال ابن قتيبة: يقال: خَيْرٌ طَاحٍ، أي كثير متّسع.وفي المراد (بالنفس) ها هنا قولان:أحدهما: آدم، قاله الحسن.والثاني: جميع النفوس، قاله عطاء.وقد ذكرنا معنى
{سواها} في قوله تعالى:
{فسوَّاك فعدلك} [الانفطار: 7]
{فألهمها فجورها وتقواها} الإلهام: إيقاع الشيء في النفس.قال سعيد بن جبير: ألزمها فجورها وتقواها.وقال ابن زيد: جعل ذلك فيها بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إياها للفجور.قوله تعالى:
{قد أفلح من زكاها} قال الزجاج: هذا جواب القسم.والمعنى: لقد أفلح، ولكن اللام حذفت لأن الكلام طال، فصار طوله عوضاً منها.قال ابن الأنباري: جوابه محذوف.وفي معنى الكلام قولان.أحدهما: قد أفلحت نفس زكاها الله عز وجل، قاله ابن عباس، ومقاتل، والفراء، والزجاج.والثاني: قد أفلح من زكّى نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال، قاله قتادة، وابن قتيبة.ومعنى
{زكاها}: أصلحها وطهرها من الذنوب
{وقد خاب من دساها} فيه قولان كالذي قبله.فإن.قلنا: إن الفعل لله، فمعنى
{دساها} خذلها، وأخملها، وأخفى محلها، بالكفر والمعصية ولم يشهرها بالطاعة والعمل الصالح.وإن قلنا: الفعل للإنسان، فمعنى
{دساها} أخفاها بالفجور.قال الفراء: ويروى أن
{دساها} دَسَّسَهَا لأن البخيل يخفي منزله وماله.وقال ابن قتيبة: المعنى: دسى نفسه، أي: أخفاها بالفجور والمعصية.والأصل من دَسَّسَتُ، فقلبت السين ياءً، كما قالوا: قصَّيت أظفاري، أي: قصصتها.فكأن النَّطِفَ بارتكاب الفواحش دس نفسه، وقمعها، ومُصْطَنِعُ المعروف شهر نفسه ورفعها، وكانت أجواد العرب تنزل الرُّبا للشهرة.واللئام تنزل الأطراف لتخفي أماكنها.وقال الزجاج: معنى
{دساها} جعلها قليلة خسيسة.قوله تعالى:
{كذبت ثمود بطغواها} أي: كذبت رسولها بطغيانها.والمعنى: أن الطغيان حملهم على التكذيب.قال الفراء: أراد
{بطغواها}: طغيانها، وهما مصدران، إلا أن الطغوى أشكل برؤوس الآيات، فاختير لذلك.وقيل: كذبوا العذاب
{إذ انبعث} أي: انْتَدَبَ
{أشقاها} وهو: عاقر الناقة لعقرها
{فقال لهم رسول الله} وهو صالح
{ناقة الله} قال الفراء: نصب الناقة على التحذير، وكل تحذير فهو نصب.قال ابن قتيبة: المعنى: احذروا ناقة الله وشربها.وقال الزجاج: المعنى: ذَرُوا ناقة الله
{و} ذَرُوا
{سقياها}.قال المفسرون: سقياها: شربها من الماء.والمعنى: لا تتعرَّضوا ليوم شربها
{فكذَّبوه} في تحذيره إياهم العذاب بعقرها
{فعقروها} وقد بيَّنا معنى (العقر) في [الأعراف: 77]
{فدمدمَ عليهم ربهم} قال الزجاج: أي: أطبق عليهم العذاب.يقال: دمدمت على الشيء: إذا أطبقت فكرَّرت الإطباق.وقال المؤرِّج: الدمدمة: إهلاك باستئصال.وفي قوله تعالى:
{فسواها} قولان.أحدهما: سوَّى بينهم في الإهلاك، قاله السدي، ويحيى بن سلام.وقيل: سوَّى الدمدمة عليهم.والمعنى: أنه أهلك صغيرهم، وكبيرهم.والثاني: سوَّى الأرض عليهم.قال مقاتل: سوَّى بيوتهم على قبورهم.وكانوا قد حفروا قبوراً فاضطجعوا فيها، فلما صِيْحَ بهم فهلكوا زُلزلت بيوتهم فوقعت على قبورهم.قوله تعالى:
{ولا يخاف عقباها} قرأ أبو جعفر، ونافع، وابن عامر،
{فلا يخاف} بالفاء، وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة والشام.وقرأ الباقون بالواو، وكذلك هي في مصاحف مكة، والكوفة، والبصرة.وفي المشار إليه ثلاثة أقوال.أحدها: أنه الله عز وجل، فالمعنى: لا يخاف الله من أحد تَبِعَةً في إهلاكهم، ولا يخشى عقبى ما صنع، قاله ابن عباس، والحسن.والثاني: أنه الذي عقرها، فالمعنى: أنه لم يخف عقبَى ما صنع، وهذا مذهب الضحاك والسدي، وابن السائب.فعلى هذا في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: إذ انبعث أشقاها وهو لا يخاف عقباها.والثالث: أنه نبي الله صالح لم يخف عقباها، حكاه الزجاج. اهـ.